قال عليه الصلاة والسلام (أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ الله لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ؟!) لأن معنى الصدقة عام، (إِنَّ بِكُلَّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلَّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلَّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلَّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً) مثل عليه الصلاة والسلام بهذه الأربع لأمرين؛ الأول أنها من أنواع الذكر اللساني، فمثل بها على أنواع الذكر الأخرى؛ لأن هذه أفضل الذكر، كما ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال «أَحَبّ الْكَلاَمِ إِلَى اللّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللّهِ, وَالْحَمْدُ للّهِ, وَلاَ إِلَـَهَ إِلاّ اللّهُ, وَاللّهُ أَكْبَرُ»، فهذه الأربع هي أحب الكلام إلى الله، فهي أعظم ما تتقرب به إلى الله جل وعلا من الذكر، وتتصدق به على نفسك، فقال (إِنَّ بِكُلَّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً) لأن فيها الأجر العظيم، فتصل بالتسبيحة نفسَكَ بأنواع الخير والأجر، كذلك التحميد والتهليل والتكبير.
ثم انتقل عليه الصلاة والسلام إلى نوع من الصدقة متعد، فقال (وَأَمْرٍ بَمعْرُوفِ صَدَقَةً، وَنَهْيٍ عَنْ المنْكَرِ صَدَقَةً) هذا تمثيل لأنواع الصدقات التي فيها التعدي النفع، فذكر الأمر بالمعروف، والمعروف هو ما علم حُسْنه، والأمر به في الشريعة، فما عرف في الشريعة حُسْنه فهو معروف. والمنكر ضده؛ ما عرف في الشريعة سوءه ونكارته، فمن أمر بما عرف في الشريعة حسنه فقد أمر بالمعروف، وأعلاه التوحيد، ومن نهى عن المنكر وهو ما أنكر في الشريعة وأعلاه الشرك بالله جل وعلا فقد نهى عن المنكر، فإذن كل أمر بمعروف صدقة لك، وكل نهي عن المنكر صدقة. وتعليم العلم يدخل في ذلك، فهو من أنواع الصدقات، فمن لازم العلم تعلما وتعليما فإنه يتصدق في كل لحظة تمر عليه على نفسه، وكذلك على غيره؛ ولهذا أهل العلم أعظم الناس أجورا إن صلُحت نياتهم.