[الشرح]
هذا الحديث أيضا فيه بيان فضل الله جل وعلا ورحمته بالمؤمنين، قال فيه عليه الصلاة والسلام (إِنّ اللّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمّتِي الْخَطَأَ وَالنّسْيَانَ, وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)، وفي قوله (إِنّ اللّهَ تَجَاوَزَ لِي) ما يفهم أن هذا من خصائص هذه الأمة، فغيرنا من الأمم إذا همّ بالعبد بحسنة لم تكتب له حسنة، وإذا هم بسيئة فتركها لم تكتب له حسنة، وكذلك في خصائص كثيرة ومنها التجاوز عن الخطأ والنسيان، فرحم الله جل وعلا هذه الأمة بنبيها وتجاوز لها عن الخطأ والنسيان، ولما نزل قول الله جل وعلا في آخر سورة البقرة ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾[البقرة:284] شقّ ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم جدا حتى نزلت الآية الأخرى، وهي قوله جل وعلا ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة:282] فدعا بها الصحابة رضوان الله عليهم قال الله جل وعلا «قَدْ فَعَلْتُ». فقوله تعالى (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله جل وعلا«قَدْ فَعَلْتُ». في معنى هذا الحديث، بل هذا الحديث في معنى الآية، فدل ذلك على أن من أخطأ، فإنه لا إثم عليه، ومن نسي فلا إثم عليه، لكن هذا مختص بالحكم التكليفي. أما الحكم الوضعي، فإنه يؤاخذ بخطئه وبنسيانه؛ يعني ما يتعلق بالضمانات، فإذا أخطأ، فقتل مؤمنا خطأ، فإنه يؤاخذ بالحكم الوضعي عليه بالدية وما يتبع ذلك، وأما الإثم، فإنه لا إثم عليه؛ لأنه أخطأ، وكذلك إذا أخطأ فاعتدى على أحد في ماله، أو في جسمه، أو في أشباه ذلك، فإنه لا إثم عليه من جهة حق الله جل وعلا، أما حق العباد في الحكم الوضعي، فإنهم مؤاخذون به؛ يعني أنّ الآية، والحديث دلا على التجاوز فيما كان في حق الله؛ لأن الله هو الذي تجاوز، وتجاوزه جل وعلا عن حقه سبحانه وتعالى، وهذا هو المتعلق بالحكم التكليفي، كما هو معروف في بحثه في موضوعه، في علم أصول الفقه، والخطأ غير النسيان، وكذلك الإكراه ما يكره عليه أيضا يختلف عنهما:
فالخطأ إرادة الشيء وحصول غيره من غير قصد لذلك. ([1])
والنسيان الذهول عن الشيء.
والإكراه، أو قوله (وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) يعني ما أكرهوا عليه، فعملوا شيئا على جهة الإكراه، والله جل وعلا قال)إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ([النحل:106]، الآية في سورة النحل.
¹