[الشرح]
هذا الحديث، وهو الحديث الثاني والثلاثون من الأحاديث الجامعة؛ من الأحاديث الجامعة التي جمعت أحكاما كثيرة، وقاعدة من قواعد الدين عظيمة، ومن جهة ثبوته تنازع العلماء فيه، هل الصواب فيه الوصل أم الإرسال؟ وقد أشار لك رحمه الله إلى بعض هذا الاختلاف. والصواب أنه حديث حسن، كما قال النووي رحمه الله تعالى لكَثْرة شواهده، والإرسال فيه لا يعل الوصل؛ لأن لكل منهما جهة بما هو معروف في علل الحديث، وليس من شرط هذا الشرح التعرض لتحقيق مثل هذه المسائل.
قال أبو سعيد الخدري قال رسول الله (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) وقوله (لاَ ضَرَرَ) (لاَ) هنا نافية للجنس، ومن المعلوم أن النفي لا بد أن يكون متسلطا على شيء، وقد تسلط هنا على الضرر والضرار، لكن أين الخبر ؟ (لاَ) النافية للجنس تطلب خبرا كما هو معلوم، وقد يحذف خبرها، وشاع ذلك كثيرا، إذا كان خبرها معلوما، يعني إذا كان يدرك، فلا يذكر اختصارا للكلام، كما في قول النبي في عدة أحاديث؛ كقوله مثلا «لاَ عَدْوىَ، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ، وَلاَ نَوْءَ، وَلاَ غُولَ» كل هذه أين أخبارها ؟ الخبر غير مذكور، لا إله إلا الله، خبر لا النافية للجنس غير مذكور، وهذا معروف في اللغة شاع إسقاط الخبر، كما قال ابن مالك في الألفية، في آخر باب لا النافية للجنس.
وَشَاعَ فِي ذَا الْبَابِ إِسْقَاطُ الخَبَر إِذَا الْمُرَادُ مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَــر
فهنا يشيع إسقاط خبر لا النافية للجنس، إذا كان المراد معلوما.
إذا تقرر هذا فما المراد هنا؟ المراد أنه لا ضرر في الشرع؛ لا ضرر كائن في الشريعة، وهذا النفي منصب على جهتين: جهة العبادات، وجهة المعاملات وما بعدها.
أما جهة العبادات، فإن الشريعة لم يأت فيها عبادة يحصل بها للمرء ضرر، فإذن لا ضرر في الشرع؛ يعني أن الضرر منتفٍ شرعا فيما شرع في هذه الشريعة، ففي العبادات لم يشرع لنا شيء فيه ضرر على العبد، ولا مُضارّة على العبد، فمثلا إذا نظرت: المريض يصلي قائما، فإن تضرر بالقيام صلى قاعدا. يتطهر بالماء، فإن كان الماء يضره، ينتقل منه إلى التراب. وهكذا في أشياء متنوعة، فإذن هذا القسم الأول أن الضرر منتفٍ شرعا، وانتفاءُه في العبادات بأنه لم تشرع عبادة، فيها ضرر بالعبد بل إذا وجد الضرر جاء التخفيف.