كح كح ، هذا المكان ممتلئ بالغبار ... كما أن الأرضية أصبحت هشة ، يا إلهي كم مضى على هذا
المنزل ، كأن الدهر أكل عليه وشرب ، ولكن أين لعلي أجد بعض الشراب هنا ؟ من المفضل أن أبحث
في القبو .................................................. .................................................. ...........
بالفعل أصوات صرير الدرج القديم مزعجة جدا ، ولكن بالنهاية أفضل من صوت البرق و الرعد في هذا الجو
العاصف و الرهيب ، و أخيرا ها قد وصلت لنهاية هذا الدرج المتعب ، أها هذا هو مخزن الشراب .......
ولكن من أي نوع يجب علي الشرب ؟ المارتيني أم الشيمبانيا ؟ لا أفضل شراب البلودي ماري القاتم هذا أفضل
والآن علي التوجه لكتابة بعض الخواطر....................
يا إلهي ما أجمل رائحة الورق القديم ، والحبر الهندي الأسود ... هذان الشيئان هما سبب سعادتي في الحياة
وسعادة كل إنسان ، فمن هذان الشيئان كتبت المعادلات الرياضية ، وكتبت الخطط و كتب عليها أيضا أفكار
علماء أناروا العالم باختراعاتهم و فكرهم .. . أشعر بذروة السعادة عندما أفتح الصفحة الأولى و كأن خلقت
وبعثت من جديد ، فأبدأ حياة جديدة مختلفة عن باقي الحيوات التي عشتها مع كتبي السابقة .. فكانت حياتي تتقدم
للأمام مع كل صفحها انتهي من كتابتها ؟؟؟.. فلأبدأ بالكتابة : (القصة بدأت الآن ).
أولا ليس من الضروري أن تعرفوا من أنا ، فأنا لا أحد ... و أنتم أيضا لا أحد ، لأننا ببساطة مجرد دمى
تتحرك بقوة خفية أتمنى أن تكونوا قد فهمتم قصدي ، ولكن من باب المعرفة أفضل أن تنادوني *الغير موجود*
أنا رجل عادي طاعن بالسن ، أسكن بالأزقة و الأرصفة .... فأنا ولدت هناك بجانب الكلاب و الحيوانات الضالة
و عشت حياتي على قدمي ، متجولا كالمنبوذ بالشوارع ، لا أحد يحبني ولا أحب أحد ، فالاختلاط يشعرني
بالغثيان ، والوحدة هي أفضل صديق للإنسان ، لأنها ببساطة الوحدة لا تخون صاحبها ........................
في داخلي يسكن شيطان عظيم ، تولد من الحقد والألم و الجوع ، وأصبح جزء مني ، عشقت الدماء من كل قلبي
فكنت استلذ بطعم دماء فتاة جميلة لا تتجاوز العشرين من عمرها ، من شاب فتي قوي العضلات ، ..........
و كنت أشعر بقمة السعادة و النشوة أنذاك ، لأنني أسحب حياة شخص لأضيفها إلى حياتي و أستمر ، و أراه كيف
يتعذب ، والشيطان في داخلي يحثني على ذلك .................................*................ ...........................
أنا لست إنسان ، بل أنا كتلة من العذاب والقهر لها قدمين و تتحرك .. العواطف و المشاعر هي عدوي اللدود
، كلمتا الحياة و السعادة محذوفتان من قاموسي ، أنا متأكد بأن هناك سؤال يجول في خاطركم "
(بما أنني رجل قادم من جحيم الأزقة و الشوارع ، فلماذا أسكن في المنزل ؟ ومن أنا ؟ ) و القصة هي كالتالي ، أنا فتى ولدت بالشارع وحيد من دون معرفتي لعائلتي ، كل ما أملكه صورة لأمي و
في يوم من أيام الشتاء البارد ، كنت أتجول بالشارع ، بثياب رثة و بالية و البرد يبتلع جسدي شيئا فشيئا
وكنت لم أتجاوز العشرين من عمري ، فشاهدت امرأة تجري مسرعة ، خائفة من البرد .... و فجأة
تعثرت و وقعت على الأرض ، فركضت إليها ، وساعدتها على النهوض ، وهنا كانت المفاجأة الكبرى
لقد كانت هي نفسها أمي ، نعم إنها أمي .. من الواضح إنها لم تعرفني ، ولكنني عرفتها من خلال القلادة
التي بداخلها صورة أمي ، فقد كانت معلقة برقبتي منذ أن وجدت في الشارع ، فأخرجت القلادة من جيبي
و لوحتها أمام عيني أمي اللتان تبرقان بالدهشة ، وهنا عرفت أمي ما يحصل و ضمتني بحنان ، وأخذت
تقبلني و تضمني بعنف ، و الدموع تنهمر من عينيها ، فقالت لي : كريستيان ، أهذا أنت يا بني ؟ يا إلهي .......
فنظرت بتعجب إليها و قلت : هل اسمي هو كريستيان ؟ فردت الأم : نعم أنت كذلك ، هيا تعال معي لنذهب للمنزل
و تتعرف على أباك وأختك ، وذهبت معها للمنزل وكان شعور السعادة يغمرني ، لأنني لم أعد مشردا بعد الآن ، .....
فدخلت المنزل و قابلت أبي لأول مرة بحياتي ، وكان إحساس غريب قليلا ثم تعرفت لأختي إيميلي ، والتي تبلغ
من العمر الثالثة عشر ، فأخذتني أمي للحمام لأغتسل من قذارتي ، وبعدها ارتديت لأول مرة بحياتي ثياب نظيفة
و أحسست أيضا لأول مرة بعد عشرين عاما من القهر و الجوع بأنني إنسان ، واعتقدت بأن حياتي سوف تنقلب
رأسا على عقب ، وتناولت العشاء مع عائلتي المفقودة ، وبدأت بطرح الأسئلة عليهم لمعرفة من أنا ، ومن أين
أتيت .... ولكن السكون حل على المنزل عندما سألت أمي عن سبب تخليهم عني ، ولكنها ردت : لأسباب قاسية
لن تستطيع سماعها ، فحاولت جاهدا تجاهل الموضوع ، و قد بدأت التعرف أكثر على عائلتي .........
مرت الأيام و تعلمت القراءة والكتابة على يد أبي ، فأحببتهما جدا .
وفي يوم من الأيام أصيبت أختى الصغرى إيميلي بحمى فظيعة ، فخافت أمي كثيرا عليها و توجهت في منتصف
مع أبي لأشهر طبيب في المدينة ، بينما أنا كنت أرعى اختى أثناء غياب أبي و أمي ......... و فجأة تفوهت إيميلي
بجمل غريبة ، وكأنها تهذي .. فقالت لي : كريستيان ، أنا أعلم بأنني أصبحت على مشارف الموت ، لذا سوف
بأشياء يجب أن تعلمها .. فقلت بلهجة غاضبة لها : لا بل سوف تعيشين و تبقي معنا ... قال إيميلي : لا تحزن
ولكن يجب أن تعلم بأنك لست ابن أباك ، يعني إنك خلقت من علاقة عابرة ، و أنت لا تمد لي بصلة أو بأبي
وهذا السر علمته بالصدفة ، وأمك خبئت ذلك عليك خوفا منك ، لذلك تخلت أمك عنك ثم ندمت على فعلتها ولكن للأسف أمك الآن حامل أيضا ........
فارتسمت علامات الدهشة والخوف علي وجهي ، هل من المعقول إن أمي امرأة فاسدة ؟ هل أنا نتيجة علاقة
عابرة ؟ يا إلهي ماذا يحدث ؟.. ... فقمت وحملت سكينا حادا و نظرت لأختي ، و شرر النار تخرج من عيني
فقفزت نحوها و بدأت بطعنها بطريقة وحشية ، حتى ماتت و الدماء تملأ الغرفة ...................
فمسحت شفرة السكين بشفتي الدمويتين و رميتها بعيدا ، والآن حان وقت الحساب و الانتقام من كل شخص
أساء إلي ، و في نفس الوقت دخلت أمي مسرعة إلى الغرفة و شاهدت ذلك المنظر المريع ، فرجعت للوراء
وحملت السكين من جديد ، و توجهت نحو أمس مسرعا ، و أدخلت بكل قوتي السكين في رحمها ، والدماء تنفر
بغزارة ، فكنت اخرج السكين و أضعها مرة ثانية حتى أصبحت أحشائها ظاهرة وماتت ......................*
فأحسست بلذة الدماء تنعش قلبي و خاطري ، و قتلت أيضا ذلك الشخص الغريب بنفس الطريقة وفي نفس الغرفة
دقات قلبي تتسارع ، أنفاسي تصعد و تهبط ، حتى هدأت قليلا فتوجهت نحو المطبخ و أحضرت بعض من
مشروب البلودي ماري المفضل عندي ، فرجعت وجلست بنفس غرفة المذبحة و الدماء مسفوكة ....
فأزحت كرسي صغير وجلست فوق الجثث الهامدة مستمتعا بلحظة النصر وبدأت بتناول مشروبي ..........
وعندما انتهيت ، ارتديت معطف الجلد ، والقبعة السوداء ... و وضعت بعض الدفاتر والأقلام و الحبر في
الحقيبة ، و فتحت باب المنزل متأملا موطني الأصلي ، وهو الشارع ... و من هنا بدأت مسيرتي الدموية و
الكتابية إلى هذا الوقت ، و رجعت للمكان الذي انتمي به مسميا نفسي *الغير موجود* فالحياة في نظري كالدائرة ،
نبدأ فيها من نقطة ومن المؤكد بأننا سوف نعود لهذه النقطة مرة أخرى و نموت فيها ، ولكنني قررت الموت
هنا ، أريد لمرة واحدة في حياتي أن أجرب شعور الإنسان فأنا الكاتب هو ذلك الغير موجود نقطة انتهى ...